صدر في بداية هذا الشهر عن منشورات جامعة كامبردج
Cambridge University Press،
للاستاذ وليام آي.روبنسون
William I. Robinson
تحت عنوان:
أزمةٌ تاريخية: إستنزاف الرأسمالية العالمية
Epochal Crisis: The Exhaustion of Global Capitalism
يقدم هذا الكتاب دراسةٍ جديدةٍ ورائدة، تتضمن تحليلاً جريئاً وأصيلاً ومناسباً للأزمة العالمية غير المسبوقة. يُجمّع بين الأبعادَ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والبيئية المختلفة للأزمة، مُطبّقاً نظريته في الرأسمالية العالمية لتوضيح هذه الجوانب متعددة الأبعاد والمترابطة.
يُعالج الكتاب قضايا مُلحّة كالركود الاقتصادي، والمضاربة المالية الجامحة، والتفاوتات الاجتماعية غير المسبوقة، والصراعات السياسية، وتوسّع الحروب، والتهديد المُحدق بالمحيط الحيوي، مُوضّحاً كيف ترتبط هذه الأبعاد المختلفة ببعضها البعض، وكيف تنبع من التناقضات الكامنة لنظامٍ عالميٍّ خارجٍ عن السيطرة.
ويعتبر الكتاب مساهمةً نظريةً مهمةً في دراسة العولمة والأزمة الرأسمالية، حيث يخلص المؤلف إلى أن شروط تجديد الرأسمالية العالمية قد استُنفدت.
الرأسمالية العالمية تواجه أزمةً غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد – ما يُطلق عليه “أزمة تاريخية” – تتسم باستنزاف قدرة الرأسمالية التاريخية على التجديد.
ويُجادل المؤلف بأن الرأسمالية العالمية قد وصلت إلى مرحلة تنهار فيها آلياتها الأساسية للتجديد:التوسع الاقتصادي، والتكامل الاجتماعي، والشرعية السياسية، والجدوى البيئية – في آنٍ واحد، مما يُنتج أزمةً نظاميةً ووجوديةً لم نشهدها من قبل. ويُطلق على هذه الأزمة اسم “استنزاف” الرأسمالية العالمية.
• الركود الاقتصادي والتراكم المفرط: يغرق النظام في ركود مزمن نتيجةً للتراكم المفرط لرأس المال: إذ تتركز الأرباح، ولكن لا يمكن إعادة استثمارها إنتاجيًا على نطاق واسع، مما يؤدي إلى مضاربات مالية، وتضخم الديون، وتفاقم التفاوت.
– أزمة إعادة الإنتاج الاجتماعي: يعجز مليارات البشر عن تلبية إحتياجاتهم الأساسية، مع ركود الأجور الحقيقية أو انخفاضها، وتحول قطاعات كبيرة من البشر إلى فائضٍ من التراكم، مما يخلق فئات سكانية مهمشة أو غير رسمية تكافح من أجل البقاء خارج أسواق العمل الرسمية.
– أزمة سياسية وشرعية: تتآكل شرعية الدولة مع تعمق الاستقطاب الاجتماعي وإنهيار العقد الاجتماعي، مما يؤدي إلى تصاعد الاستبداد، وأزمات الشرعية، وعجز أشكال الدولة التقليدية عن تحقيق استقرار النظام. تتفاقم الصراعات الجيوسياسية مع سعي النخب إلى استراتيجيات تنظيمية جديدة، في حين ينهار النظام القديم. أزمة العصر – استنزاف الرأسمالية العالمية.
– الانهيار البيئي: لقد تجاوزت حتمية التوسع اللامتناهي للرأسمالية (المكثف والواسع) الحدود البيئية للكوكب، مما أدى إلى تغير مناخي “جامح”، وفقدان التنوع البيولوجي، واحتمال انهيار أسس المحيط الحيوي للحضارة البشرية. وعلى عكس الأزمات السابقة، فإن هذه الأزمة وجودية وكوكبية. أزمة العصر – استنزاف الرأسمالية العالمية.
يستند المؤلف إلى نظرية الأزمة الماركسية، لكنه يُصر على أنه لا ينبغي التعامل مع اللحظات المختلفة – الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية – كأزمات منفصلة ومتقاربة، بل كلحظات مُكوّنة متبادلة لعملية تاريخية واحدة من استنزاف الرأسمالية،وأن كل بُعد يُغذّي البُعد الآخر ويُسرّعه، مُؤدِّيًا إلى إنهيارٍ منهجيٍّ مُتصاعد.
يؤكد المؤلف على الطابع المُحدود تاريخيًا لتراكم رأس المال في محيطٍ حيويٍّ محدود ،لان العائق الحقيقي أمام الإنتاج الرأسمالي هو رأس المال نفسه،وان هناك في اصلاح النظام الراسمالي ،وان الرقمنة و الإصلاح المالي مجرد حلول مؤقتة عاجزة عن الإصلاح الجذري ،و الإصلاح الجذري هو الإطاحة بالنظام الراسمالي، لأن الحدود التكنولوجية أو المكانية الجديدة لا يمكنها استعادة التراكم أو الشرعية بشكل دائم في ظل الظروف الحالية.
-الحجج التاريخية والبنيوية
حُلت الأزمات الهيكلية السابقة مثل تلك التي حدثت في سبعينيات القرن التاسع عشر، وثلاثينيات، وسبعينيات القرن العشرين، من خلال عمليات إعادة هيكلة مُغيرة للنظام: التقنيات الجديدة، والعقود الاجتماعية، والأنظمة التنظيمية، أو موجات العولمة.
يجادل المؤلف بأن هذه السبل قد استُنفدت الآن لان شروط التجديد الرأسمالي العالمي أصبحت مُستنفدة،وبلغ الدافع التوسعي للرأسمالية (“التراكم اللامتناهي”) حدودًا نوعية، سواء من حيث توسع السوق أو تسليع المجالات الاجتماعية والموارد الجديدة.
وبما أن النظام لم يعد قادرًا على إستيعاب فائض رأس المال بشكل منتج،أو الحفاظ على إعادة الإنتاج الاجتماعي للأغلبية، ومع اصطدامه بالحدود العالمية، فليس هناك مسار قابل للتطبيق لمزيد من تجديد النظام في ظل العلاقات القائمة.
-التنبؤ: نهاية حقبة حضارية
-لا يتنبأ المؤلف بانهيار وشيك للرأسمالية، بل بأزمة عصر طويلة الأمد قد تستمر لعقود، حيث تؤدي التناقضات المتصاعدة بشكل مزمن إلى عدم استقرار متكرر وصراعات، وتآكل مستمر للشروط الأساسية للحياة الاجتماعية وبقاء الكوكب.
وانه خلال هذا المسار تتوسع الأزمة السياسية والشرعية،و تتآكل فيها شرعية الدولة مع تفاقم الاستقطاب الاجتماعي، وانهيار العقد الاجتماعي، مما يؤدي إلى تصاعد الاستبداد وأزمات الشرعية، وعجز أشكال الدولة التقليدية عن تثبيت إستقرار النظام.
وبينما تتفكك قوى النظام القديم ، تسعى النخب الجديدة الى إرساء استراتيجيات تنظيمية جديدة،سوف تتضاعف الصراعات الجيوسياسية مما يعمق في طبيعة ازمة الراسمالية.
وانه مع تسارع الانهيار البيئي سيصل النظام الراسمالية الى حتمية عدم التوسع ،بسبب مخاطر حدوث تغير مناخي جامح، وفقدان التنوع البيولوجي، واحتمال انهيار أسس المحيط الحيوي للحضارة البشرية،وانه بخلاف الأزمات السابقة، فإن هذه الأزمة ستكون وجودية وعالمية.
يؤكد المؤلف أن السيناريوهات المستقبلية ستظل مفتوحة ومشروطة ،لان النتائج المؤثرة تعتمد على الفاعلية البشرية الجماعية، والصراع الاجتماعي، والتحولات المحتملة التي تتجاوز الرأسمالية. ومع ذلك، فهو يُصرّ على أن “الرأسمالية العالمية لا يمكنها الصمود حتى القرن الثاني والعشرين” في أي شكلٍ يشبه شكلها الحالي.
الجاذبية المنهجية
– يُصرّ المؤلف على أن فهم هذا الاستنزاف العصري، يتطلب اقتصادًا سياسيًا جذريًا يُبرز التناقضات، ويأخذ بعين الاعتبار الجدلية بين اللحظات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، وليس تقسيمًا تحليليًا للأزمات، ولا تبسيطًا لتفسيرات أحادية السبب.
واجمالا يمكن القول أن نظرة المؤلف حول إستنزاف الرأسمالية العالمية، أن الأزمة النظامية الحالية فريدة تاريخيًا ، تقارب التراكم المفرط، والاستقطابات الاجتماعية وإنهيار شرعيات النظم السياسية، والتجاوز البيئي ، بحيث يتجه النظام الاجتماعي للرأسمالية نحو الانحدار بشكل لا رجعة فيه، مع أن كل الآليات الأساسية لتجديد الرأسمالية العالمية، قد إستنفدت أو أصبحت في طريقها إلى الفشل.